قُبيل عيد الميلاد، يعود لبنان ليقف عند لحظة تاريخية نادرة. زيارة البابا إلى بيروت لم تأتِ كحدثٍ بروتوكولي أو محطة لالتقاط الصور، بل تشبه في رمزيتها تلك الرحلة التي قام بها الماجوس قبل أكثر من ألفي عام، حين تبِعوا نجمةً غيرت مسارهم وصولاً إلى الطفل الإلهي في بيت لحم. الماجوس تحركوا يومها بدافع علامة في السماء؛ ولبنان اليوم، وسط عواصفه السياسية والاقتصادية، يشعر أن نجمة رجاء جديدة تلوح فوقه.
في الرواية الإنجيلية، لم تكن أورشليم مجرد مدينة؛ كانت بوابة الفهم الروحي، المكان الذي قاد الماجوس إلى الحقيقة. وفي استعارة الزمن الحاضر، يشبه اللبنانيون بلدهم بأورشليم جديدة: مدينة مثقلة بالأسئلة، لكنها لا تزال تحتفظ بشرارة الإيمان. هذه الأرض التي تقف على حافة الانهيار منذ سنوات، تستقبل رأس الكنيسة الكاثوليكية كمن يستقبل بشارة مرتقبة، وكأن الزيارة تقول للبنانيين: هناك ولادة جديدة تنتظر هذا الوطن.
زيارة البابا ليست حلاً سحرياً للأزمات، لكنها تذكير بأن لبنان لم يفقد دوره، ولا رسالته، ولا هويته التي وُضعت على خريطة القدر. في لحظة يشعر فيها الشعب بالعزلة، تأتي الزيارة كجسر يعيد لبنان إلى نبض العالم، وكصوت يعلن أن هذا البلد لا يزال يستحق الحياة، مهما ضاق صدر السياسة واتسع ضجيج الصراع.
الماجوس حملوا ذهباً ولباناً ومرّاً. أما البابا، فيحمل معه كلمة، وموقفاً، وصلاة. وهذه الثلاثة، في زمن الانهيار، قد تكون أثمن من الهدايا الشرقية القديمة. هي هدايا الرجاء.
وفي قلب عيد الميلاد، تتقاطع الرموز: ولادة طفل في مذود، وولادة رجاء في وطنٍ ينتظر خلاصه. وكما بددت النجمة ظلام المشرق قبل ألفي عام، تأمل العائلات اللبنانية اليوم أن تفتح زيارة البابا نافذة ضوء في الجدار السميك الذي أحاط ببلدهم.
الزمن قد يكون صعباً، لكن الميلاد دائماً يحمل ما هو أعجب من الحسابات السياسية. وربما، وسط كل هذا الركام، يأتي البابا ليذكّر أن لبنان، مهما تعب، لا يزال مرسوماً على خريطة العناية الإلهية. هكذا تُقرأ الزيارة: ليست حدثاً عابراً، بل علامة… ولبنان يعرف جيداً كيف يتعامل مع العلامات حين تشتعل فوق جباله.
وهكذا، بين نجمة الماجوس وموكب البابا، يكتب التاريخ سطراً جديداً، ويهمس أن الولادة ليست قصة قديمة فقط، بل وعدٌ يتجدد كلما ظن الناس أن الليل قد طال.
قزحيا صقر – صحافة جبل لبنان
www.mountlebanonpress.com تابعونا عبر موقعنا




